إشاعة الوعي الديمقراطي في العراق
مرت على الشعب العراقي المظلوم سنوات
مريرة, منذ أن تسلمت حكومة البعث مقاليد السلطة في العراق وحكمه بالحديد والنار
طوال أكثر من خمسة وثلاثين عاماً،
ذاق خلاها شعبنا الكثير من المصائب والآلام على يد نظام الطاغية ،و وسط صمت
المحافل الدولية والمنظمات الإنسانية التي لم تتحرك ساكناً للوقوف ضد هذه الجرائم
، ولم تبذل أي جهداً لوقف انتهاكات حقوق الإنسان العراقي على أيدي الأجهزة الأمنية
البعثية ، كما وقفت الأنظمة العربية وأعلامها إلى جانب نظام البعث من خلال التطبيل
والتزمير للقائد الضرورة, وتحويل ما جرى ارتكابه من الجرائم إلى منجزات وطنية ،
كما جرى في جميع المدن والقصبات العراقية نشر ثقافة حزب البعث وأفكاره الشوفينية ،
ثقافة الزيتوني والمسدس العفلقية, والتي هي في الواقع تشكل بعضا من سمات الثقافة
العربية, بعد أن باتت التي تغطت بشعارات إسلامية وقومية ،وبحيث صار المواطن المسكين يعيش في الخوف
والقلق والبلبلة والتخبط ، بعد أن نشر حزب البعث الرعب والقتل والتخلف والفوضى في
كل زاوية من زوايا العراق من خلال عمليات الاغتيال والاعتقال للمثقفين والمفكرين
والسياسيين والوطنيين ، إضافة إلى انتشار الفساد الإداري والمالي داخل جميع
المؤسسات والهيئات الحكومية ، كما دمر حزب البعث كيان الدولة ومؤسساتها المختلفة
لإيقاف الدورة الاقتصادية والاجتماعية داخل العراق من خلال قرارات فاشلة اتخذت
أيام حكمه ، ولم يقدم للعراق وشعبه عدا الخراب والدمار والقتل والفقر والعوز .
واصبح العراق برمته سجناً أو مقبرة لكل العراقيين .
السؤال الملح هو هل يمكن بناء دولة
ديمقراطية مدنية دستورية في عراق اليوم بدون إشاعة الوعي الديمقراطي وبدون وجود
مؤسسات ديمقراطية ؟؟؟؟؟
لابد أولا من الاعتراف أن نفسية الفرد
العراقي قد تغيرت كثيرا, بعد أن فقد الكثيرون قيمهم الإنسانية والأخلاقية, نتيجة
العيش لعقود من الزمن في ظل نظام
البعث وتفاقم التأثيرات السلبية الناجمة عن مختلف أشكال الكبت والظلم, وحيث فاق
العفالقة بوحشيتهم جميع أنظمة القمع في العالم , كما أن الفرد العراقي, عانى
الكثير من النتائج الكارثية للمختلف من حروب العفالقة, وكلك الحرمان من العمل
والضمانات الصحية وغير ذلك من الخدمات الأساسية ، فضلا عن القلق المستمر على مصيره
ومصير جميع أفراد أسرته من ملاحقات أجهزة الأمن و دسائس أعوان النظام في مختلف
ميادين العمل وغير ذلك من أشكال العيش في جحيم نظام العفالقة, والتي كان من
الطبيعي, أن تخلف الكثير من الشوائب والندوب على عقول ونفوس الكثير من العراقيين
وعلى نحو أدى مع مرور الوقت لظهور تغيرات سلبية حادة, على صعيد التفكير والسلوك
الاجتماعي, وكانت قبل زمان العفالقة, موضع استهجان وإدانة الناس من مختلف المراتب
الاجتماعية.
لذلك لا أعتقد يمكن إشاعة الوعي الديمقراطي
في العراق بدون تحرير الوعي العام
وتنظيف العقول والنفوس من مخلفات حزب البعث فكرياً وثقافياً التي تقف حجر
عثرة في طريق وصول إلى الديمقراطية ، لأن نمط الوعي السائد في العراق, ما زال
محكوما بمخلفات الفكر البعثي ، هناك تغليب المصالح الشخصية والفئوية على حساب
مصالح الشعب والوطن ومستقبله ، دون مراعاة هموم ومصالح المواطن العراقي ، وهناك
أيضاً أناس من الانتهازيين والنفعيين يركبون الموجة ويميلون معها أينما اتجهت ولم
بفكروا يوماً في الشعب سوى بمصالحهم واستغلالهم السلطة بشكل سيئ لتحقيق مأربهم
الشخصية ، ولا تغيب على المتابعين بأن الأحزاب الإسلامية والقومية المتواجدة على
الساحة العراقية غير معنية بالديمقراطية
وغير مقتنعة بها ولا يربطها أي رابط ، ولا تعتبرها إلا وسيلة لتحقيق مصلحها
وأهدافها ، لأن كل حزب يخطط أن يحصل على مكاسب آنية في الدائرة الدينية أو القومية
أو المذهبية ، وتحاول الالتفاف على التزام بإقامة نظام ديمقراطي ، من هنا أستطيع أن
أقول هذه الأحزاب لا تستطيع أن يعيش في جو ديمقراطي نقي ، لأن الديمقراطية سوف
تكشف عورتها وتسقطها في أعين العراقيين ، لذلك تحاول باستخدام السلاح الديمقراطي
لضرب الديمقراطية .
لا يمكن تطبيق الديمقراطية بدون تطور عقل
الإنسان العراقي وشعوره بالولاء والمحبة للوطن ، ورفع الحواجز العنصرية والطائفية
ومنتشرة بيننا منذ عصور طويلة والقضاء عليها ، وتطوير العلاقات الاجتماعية
والثقافية بين جميع أطياف المجتمع العراقي دون إقصاء أو إلغاء أي طرف ، ووضع
المصالح الوطنية العليا فوق المصالح الفئوية أو الحزبية الضيقة وصد أطماع الأخريين
في عراقنا ، بأن هناك ترابطاً وثيقاً بين ارتقاء الإنسان وتطوره الثقافي والعلمي
والحضاري وبين إشاعة الوعي الديمقراطي الذي هو جزءاً للثروة الوطنية ، ولو يحتاج هذا الأمر إلى جهود فكري
والضخم ويحتاج إلى وقت طويل لإزالة التضليل والالتباس الذي ترتبت عليه ، كل هذا
الخوف والريبة على مصداقية المبادئ السياسية والقيم الإنسانية لدى المواطن العراقي
.
وهي في الوقف ذاته نداء أوجهه إلى كل إنسان
شريف يسعي بتحرير نفسه وتنظيف عقله من ثقافات حزب البعث لإصلاح مجتمعنا وبناء جسور
الثقة والتفاهم فيما بيننا على أساس الحرية والعدل والمساواة خال من الأمراض
والتناقضات ، وفتح صفحة جديدة للمحبة لا للكراهية ، للتوحيد لا للفرقة ، ونرفع عن
خلافتنا من أجل المصلحة العامة التي
تكون الدعائم الأساسية والحقيقة لبناء الديمقراطية ومجتمعات الحضارية ، هو السبيل
الوحيد لضمان تحقيق الديمقراطية على أرض الواقع بصورة صحيحة التي تعتبر منهجاً
وطريقاً لبناء العراق ، .
خلاصة القول إن الديمقراطية هي ثقافة
وموروث اجتماعي لا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها ، وإنما بالتدرج وبخطوات عملية
وعلمية مخلصة على ممارستها في تربية الجماهير على وعي الديمقراطي إلى أن تصبح
تقليداً يحترمه الشعب ، وتربية جميع مكونات المجتمع العراقي على حوار واحترام الأخريين
وقبول الرأي الأخر برحابة صدر بعيداً عن التشنجات المحمومة لبناء العراق الجديد
على أسس الديمقراطية والتعددية الحقيقة .