جيش المهدي معضلة العراق القادمة
إنهم جيل الحقبة
الصدامية المقيتة وإفرازاتها وما خلفته من مآسي لا حصر لها، أفواج من
الشباب المنفلت والذين يشكلون الآن مشكلة العراق الحقيقية تنضاف إلى الكم الهائل
من الكوارث التي يعاني منها العراق اليوم ، فحين نتناول أسباب الفوضى العراقية في
كل مفاصل المجتمع العراقي ومكوناته البشرية والجغرافية، قد نجد تفسيرا لبعضها مثل
بقايا النظام المنهار من بعثيين قتلة، قدرهم أنهم لا يستطيعون رمي السلاح والعيش
بسلام لان هذا يعني نهايتهم بعد أن أدمنوا على القتل وسفك الدماء، فبات ديدينهم اليومي رؤية طقوس الدم صباح
مساء ودون ذلك يصابون بالانهيار كالذي أدمن وعشعش القتل في خلايا دمه وحين يطلب
منهم الإقلاع عن ذلك يصابون بالانهيار، إنهم فصيل المرضى الذي ينامون ويصحون على
صوت نقيع دم الأبرياء الذي ينعش تكوينهم المريض والميئوس منه، هؤلاء قد شخصت حالاتهم،
وحتى حين يتعافون من هذا الوباء الفتاك، فهم يعرفون إن العقاب بانتظارهم وقد يصل
إلى عقوبة الموت لما اقترفوه من جرائم مرعبة، وهنا فهم يفضلون وبطريقة تفكير بليدة
تعودوا عليها أيام مغامرات قائدهم الضرورة أن لا مناص لهم من القتال فهم ميتون في
كل الأحوال، لذا هم لا يبالون بتدمير كل العراق وذبح كل العراقيين لان بعدهم
والطوفان كما يظنون، والحل الوحيد مع هؤلاء إتباع كل الوسائل لإيقافهم عن أفعالهم
الإجرامية من خلال الانفتاح بنية صادقة مع من يرتدع ولا زالت تستوطنه ذرة حب
للعراق وخلافه فان المواجهة تعود شرا لا بد منه لاجتثاث شرورهم من العراق الجريح.
أما الفصيل الثاني فهؤلاء مجرمون
حقيقيون، بهوية غير عراقية وبدعم من الضالين من العراقيين، يدخل تحت جلابيبهم
المنقوعة الدماء بعض العراقيين العاقين من بعثيين وغيرهم، والتفاصيل هنا قد تكون
مملة، لكثرة ما تناولناها في مرات خلت
والمعروفة للجميع، والحل الوحيد مع هؤلاء القتلة هو المواجهة الصارمة من كل
عراقي حتى وان كان متضررا من الوضع الآن، لان شرورهم سيطال الجميع حتى اقرب
المقربين لهم، ولنا في تجربة أفغانستان وغيرها أمثلة واضحة ولا تحتاج لأدنى إثبات،
وهنا فإننا نحرك في بعض العراقيين من يقدمون الدعم لهؤلاء ذلك الانتماء العراقي
الذي لا يمكن أن تنتزعه الظروف مهما بلغت قسوتها وفوضاها، لان الدم العراقي يغلي
في دواخل هذه الشريحة بحب العراق حتى وان بلغت بهم الأحقاد إلى النزوع العدواني
الذي جبلوا عليه وعاد الفكاك منه أمرا عسيرا ولكنه ليس بالمستحيل. وإذا ما توحدت
النوايا وتقاربت القلوب الرحيمة ووضع الجميع مصلحة العراق وشعبه الجريح فوق كل
اعتبارات حزبية أو عرقية أو دينية أو ما سواها، تعود المهمة هيّنة للحمة الأخوة وبناء العراق الجديد.
رغم أننا بعيدون
عن المشهد العراقي بكل مصائبه، لكننا نلتقط الأحداث بقلب العراقي المتحسر على ما
يحدث من فوضى بلغت حد الفنتازيا والمشاهد السريالية التي نراها يوميا ، من الصعب فهمها وفك
طلاسمها.
أن جيش
المهدي هذه القوة التي لا يستهان بها،( لملوم) خطير، لا نعرف كيف يفكرون، وما هي
أهدافهم، ومن يمولهم، ومن يسيّرهم، وكيف يخضعون لأوامر قيادتهم، ومدى ارتباطهم
بأرض العراق وترابه، وهم يقبعون تحت جلودهم، ولا يفكرون ابعد من ذلك. وغيرها من
الأسئلة التي بات الضالعون في فن السياسة ودهاليزها في حيرة من أمرهم، حين يجدون
أنفسهم عاجزين عن تفسير هذه الظاهرة الكارثية، التي ينتظرها مستقبل العراق على
المدى المنظور، إذا ما وجدت لها الحلول لاجتثاثها بعد تشخيصها بدقة ووضع الاجراءآت
التي ينبغي أن تحول دون تماديها كظاهرة قد تكون اخطر بكثير من النظام البعثي
المنهار، سيما أن هؤلاء هم من كانوا ضحية لجلاد العراق حيث انقلبت الآية وقد
يتحولون هم أنفسهم إلى جلادين جدد، ونحن هنا لا نتكلم عن المندسين والهاربين من
غضب العقاب العراقي، جراء الجرائم التي ارتكبوها، فوجدوا في جيش المهدي الملاذ
للهروب من العقاب إما ارتكبوه من فضائع بحق العراقيين، كفدائيي صدام وأعضاء جيش
القدس سئ الصيت وفصائل أخرى من أجهزة أمن قمعية وغيرها، هؤلاء انضووا تحت خيمة جيش
المهدي وهم معروفون، إنما كلامنا عن أفواج الشباب الذين انضموا إلى هذا الجيش تحت
مسميات عديدة، أهمها انتظار عودة الإمام المهدي والتشبث بتعاليم خطيرة جدا لا
تبتعد كثيرا عن اجندات تكفيريي القاعدة من جهة وتصفية المناوئين لهم كأجندة صدامية
مجرمة، من جهة ثانية، وها هم يمارسون الفوضى ويبعثون الرعب في نفوس الناس وخارجون
عن القانون بمليشيات قد يصل بهم
الوضع إلى تكفير كل من لا يخضع لشرورهم ، ولنا في أحداث البصرة والناصرية والديوانية
ومدينة الثورة وغيرها من مدن العراق المنكوبة، خير دليل على استشراء هذه الظاهرة
المخيفة، والمصيبة أن أفعالهم الخطيرة هذه تجد مباركة وإسناد من بعض السياسيين
المشاركين في العملية السياسية، وقد يكون داعميهم من أصحاب القرار السياسي وأحزاب
وفصائل طائفية مقيتة، تمد لهم يد العون والدعم المتواصل، ناهيكم عن ارتباطاتهم
المشبوهة مع دول الجوار التي تقدم لهم الدعم السياسي والمالي واللوجستي، لاستمرار
هذه الظاهرة التي قد تكون مصدر قلق حقيقي على مستقبل العراق، والأخطر من كل هذا أن
برلمانيي ما يسمى بالخط الصدري، وهم يشكلون نسبة كبيرة في البرلمان، هؤلاء من يدعم
ويقود ويبارك ويدافع ويمول ويوظف وسائل الإعلام للدفاع عن هؤلاء.
تصوروا معي أن رئيس كتلة الخط
الصدري في البرلمان السيد نصار الربيعي يقول وأمام الملأ أن جيش المهدي هو جيش
عقائدي، وحين تسأله الإعلامية عن إمكانية تحويله إلى حزب سياسي،وهذا أمر طبيعي
فيما إذا ما أردنا بناء العراق
الجديد على أسس ديمقراطية حقيقية ، يرفض السيد الربيعي بشدة هذا الاقتراح مدعيا أن
هذا الجيش عقائدي وسيبقى هكذا حتى
ظهور الإمام المهدي، وفي حالة عدم ظهوره تسأله مقدمة البرنامج. يجيب أن هذا الآمر
لا نقاش فيه،
هل أن قدر العراق تحمل هذه الفوضى التي هي امتداد لفوضى
الحكم البعثي المنهار. لعل من يسال
عن وجه المقارنة بين البعث
المنهار وبزوغ قوى جديدة تتمثل بجيش المهدي؟ والجواب في غاية اليسر، ذلك أن جيش
المهدي يجمع متناقضات كلها تصب في
توصيف واحد، وهي الجوانب السيئة التي تمثل( كشكولا) غريبا من ظلامية القاعدة وتعصب
حماس الأبله وبلطجية البعث المنهار ومحدودية تفكير قادة هذا التيار الذي يبتعد
كثيرا وما نعرفه عن شهداء العائلة الصدرية التي أبادهم النظام المجرم، حيث كانوا
يمثلون الخطر الأكبر على النظام فما كان عليه إلا أن يزيح تلك المشاعل الفكرية النيرة
عن طريقه، لما يمثلونه من خطر داهم على نظامهم الدموي، ولكننا إذا ما قارنا تلكم الرجال العظام، بالشاب غير المتمرس
لا في السياسة ولا في الدين( مقتدى
الصدر)، نجد أننا نسئ كثيرا لتلك القامات الشامخة التي فرضت احترامها وهيبتها حتى
على أعدائها، فأين الثرى من الثريا حيث لا وجه للمقارنة بهذا الشاب الفتي قليل
التجربة الذي يقود التيار الآن بطريقة سريالية لا نفهم منها أي شئ، سوى انه يوجه
تعاليمه إلى أتباعه بعد أن يستلمها من مرجعيته الإيرانية، وبهذا فان هذا التيار
يمثل صورة جلية لجيش عقائدي اسما خالي التكوين وفهم حيثيات ما يدور في العراق
فعلا، تقوده ثلة من الشباب متفاوتي الأعمار والخبرات، قليلي التجربة والتكوين
والمعرفة والغور ببواطن أمور الدين والدنيا، ليلتقي هذا التيار بذات المواصفات
التي تنطبق على قادة البعث المتخلفين وإنصاف المتعلمين وبالتالي فقد أساءوا كثيرا
لرجالات العائلة الصدرية وشهدائها العظام. وفي ظني، وأنا البعيد عن تفاصيل ما يدور
في العراق، أن العائلة الصدرية لا ترتضي قيادة هذا اليافع، مقتدى الصدر لهذا
التيار الذي إذا ما توفرت له قيادة حكيمة من وزن الشهيد محمد باقر الصدر، لرأينا
تيارا رصينا ويتصف بالحكمة والتعقل
بعيدا عن الانزلاقات الخطيرة التي يعانيها الآن، لا يستلم اجندته من خارج
العراق، ويساهم بقوة في إخماد الفتنة وسلوك البلطجة التي تمثل الآن سمات جلية
لسلوكيات جيش المهدي وقادته الفتية الصغار ومن يدور في فلكهم، وقد أظهرت الأحداث
التي كان من ورائها هذا التيار، أن العراق إذا ما عالج منتمي هذا التيار بكثير من
الحكمة والتعقل فانه سيواجه كوارث حقيقية من سلوكيات ظلامية وخنق للحريات وأفعال
رعناء قد تضيّق الخناق على الناس وتفرض معتقدات متخلفة على مفاصل المجتمع العراقي
متعدد الاثنيات والأعراق، لنعيد الكرة لحكم البعث وجرائمه ثانية.
إذن ما
السبيل للخلاص من هذه الورطة والطامة المنتظرة؟
إن حل هذه المعضلة
لا يتم بمعزل عن مشاكل العراق الكثيرة والحل مناط بذوي النوايا الحسنة في إيجاد
الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة والعمل على تقليل شرورها عبر الوسائل السلمية،
لا اللجوء إلى العنف الذي قد يؤجج من أوارها، لان الفراغ الرهيب الذي سببه نظام
البعث والحصار المضروب على كل مكونات الشعب العراقي والحروب الرعناء التي طالت
الأخضر واليابس ثم سياط البعث المجرم بحق كل من لا ينخرط في هذا الحزب الفاشي،
اجبر أفواج هائلة من الشباب إلى اللجوء إلى الفكر الديني وكان في البداية من اجل
الهروب من شرور البعثيين والقتل الممنهج الذي كانوا يمارسونه برعونة بحق الشباب
الذي يجد إلا الانتماء إلى هذا الحزب الفاشي، ليحولهم لاحقا إلى جواسيس وشرطة
وكلاب حراسة للنظام، بحيث يضطرون إلى تنفيذ أحكام الإعدام بحق أهليهم وذويهم
وأحبتهم ولم يكن ليخطر ببالهم قط أن يتحول الاتجاه الديني عقيدة ومنهجا وطريقة
حياة، وبالتالي تشبثهم بمفاهيم جرتهم إلى وضع كارثي، وجدوا من خلاله أنفسهم قد
تحولوا إلى كائنات، لا عقل يسيّرها بل العاطفة الدينية التي تحولت إلى بوصلة
تقودهم إلى حيث التهلكة.
ما ينبغي فعله إذن لمحاربة هذه الظاهرة
الخطيرة، هي التخلص أولا من حالات الفلتان الأمني، الذي يضرب كل مفاصل الشعب
العراقي، والبداية في إعادة البناء، وتوفير فرص العمل، وقبل هذا وذاك، القضاء على
ظاهرة العنف ومصادره تماما، والعمل على بناء مجتمع خال من الطائفية المقيتة
والفرقة بين مكونات المجتمع العراقي المتحاب أصلا، باستثناء زمرة البعث المجرم
ووهابيي القاعدة الأشرار، والالتفات بعد أن يتجاوز العراق هذه المشاكل الكبيرة إلى
جيش المهدي بطرق حضارية من شانها أن تؤدي إلى عزوف الشباب عن هذا الفكر المتطرف
والعمل معا للتوجه بأمل مشرق إلى حيث الاندماج في بناء مجتمع متحضر خال من النعرات
الدينية والطائفية والتطرف الأهوج.
إن منظمات
المجتمع المدني التي تتبنى قيما حضارية وفكرية متقدمة، وكذا الأحزاب
السياسية البعيدة عن المحاصصة الطائفية وكل المؤسسات الفكرية والعلمية وغيرها من
شرائح المجتمع العراقي المتشبثة بغد مشرق خال من كل فواصل الفرقة والاحتراب، كل
هؤلاء مدعوون للأخذ بيد هذه الشريحة من الشباب إلى بر الأمان، حيث لا وجود لظلامية
دينية أو تعصب أهوج وقومية شوفينية أو انتماء لعشيرة أو فصيل متخلف. عندها فقط
نكون قد انتشلنا هؤلاء الشباب من براثن المستقبل الغامض إلى بر الأمان.