الانقلاب العسكري ليس مستبعدا!!
ما حذر منه السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية
خلال لقائه مع قناة (العربية) يوم الخميس الماضي، ليس مستبعدا في ظل الأجواء الفوضوية
التي خلقتها الحلقات القريبة من صنع القرار، وفي ظل التوترات القائمة التي يحاول المستشارون
والناطقون باسم الحكومة أن تهيمن بظلالها القاتمة على مجمل الأوضاع العراقية، ربما
تهربا من الإخفاق في تنفيذ الاستحقاقات الشعبية الكثيرة العالقة برقبة حكومة السيد
المالكي على الصعيد الداخلي، أو خلط الأوراق في مسالة الاتفاق الأمني العراقي الأمريكي
الذي يتعرض الآن إلى الشد والجذب والى استخدامه ورقة ضغط من اكثر من جهة ، لا تخفى
بعضها امتعاضها الشديد من الاتفاق كمجموع وليس التحفظ على بنود.. وتهدد علنا بالقصاص
من الذي يجرؤ على وضع توقيعه عليه. وإذا كان العراق مهدا للبشرية كما يراه (القس ويغرام)
في كتاب له بنفس العنوان، فهو مهد الانقلابات والانتفاضات والتمردات أيضا.
ويعود تاريخ الأقدم منها إلى القرن الأول الهجري حين انقلب الأمويون على الشرعية ووجهوا
منحى الحكم بالاتجاه الذي يحفظ مصالحهم وليس مصالح الأمة .ويعتبر الأمام علي(كرم الله
وجهه) شهيد ذلك الانقلاب الدموي الذي أرسى دعائم الانقلابات في العراق فيما بعد، وكان
سببا في ظهور الأحقاد والضغائن المتبادلة بين مكونات الشعب وطوائفه وأديانه.. فظل العراق
طيلة العهد الأموي مسرحا للثورات والفتن والقتال . ومنذ سقوط بغداد عام1258 الميلادي
والبلاد لم تعرف الاستقرار. فمن ثورات القادة والجند إلى مقتل الوزراء فاقتتال الخلفاء
واغتيال الأبناء لآبائهم،وأشقائهم، إلى صراع الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية وزحف
الديالمة والسلاجقة وبني بويه وحكمهم لبغداد ،إلى ثورات الأطراف واستقلال الأقاليم
.
وآخر هذه الانقلابات ،هو ما تم تحت سقف مجلس النواب في 22تموزالمنصرم أي بعد خمسة أيام
من ذكرى انقلاب مشؤوم آخر وقع قبل أربعين عاما،لم تكن تبعاته اقل دموية من الانقلاب
الذي وقع في كربلاء وأودى
بحياة الحسين بن علي(رض). لذلك فان السيد عبد المهدي لم يذهب بعيدا في تصوره بان(إعطاء دور كبير للجيش في حسم مسائل سياسية يعد خطرا على أي بلد،
لذلك يجب الحذر من حدوث انقلاب عسكري في العراق)
ومبعث حذر السيد عبد المهدي يعود إلى معرفته بتركيبة الجيش العراقي الذي يفترض أن يكون
جديدا ومختلفا عن الجيش الذي قاد اكثر من انقلاب.. وعلمه بان المستشارين الأجانب قد
اقنعوا القيادة العراقية بالاستفادة من خبرات الضباط السابقين الذين خدموا في فترة
حكم حزب البعث، فان لم يكن في قيادة العمليات ففي ميادين التدريب والإعداد.. وهكذا
تسلل إلى الألوية والسرايا عناصر مشبعة بفكر البعث، ساهموا بشكل كبير في بناء الهيكلة
العسكرية وفق منظورالبعثيين وبنفس طرائق تدريبهم بان حسموا ولاءهم لقادة الجيش ، بحيث
يسهل انقيادهم ودفعهم إلى قتال جماهير الشعب بإشارة من هؤلاء القادة. وهو ما حدث في
خانقين، إذ عاث اللواء المغير على المدينة الآمنة الرعب والفوضى من ضرب وشتم الأهالي
وتوجيه رشاشاتهم إلى صدور المواطنين العزل إلى اقتحام مقارالاحزاب وإنزال الشارات الخاصة
بها من على أسطحها ،تماما كما هو دأبهم عندما يقتحمون أوكار الإرهابيين واللصوص والمجرمين،
غير آبهين كون هذه الأحزاب تقتسم السلطة في بغداد وتشارك الحكم ممثلا في شخص رئيس الجمهورية
والوزراء ووكلاء الوزارات .
مع أن الجيش المرابط في لينينغراد رفض إطاعة أوامر قادته بالإغارة على المدينة والاستيلاء
على الأبنية الحكومية ونشر الجنود في الشوارع وفرض منع التجوال بناء على أوامر من قادة
الانقلاب الذي حدث على حكم الرئيس غورباتشوف عام 1991. كذلك فعل الجيش الباكستاني عندما
تأزم الوضع بين الرئيس مشرف والمعارضة، وفضل البقاء في ثكناته لا توجيه أسلحته إلى
صدور أبناء الشعب ، مما اضطر برويز مشرف إلى تقديم استقالته وترك منصبه.
وألا دهى من كل ذلك هو ترك العنان للضباط ونواب الضباط والشرطة بإعطاء التصريحات التحريضية
إلى وسائل الإعلام، مما يؤكد بان وراء ما جرى في خانقين نيات غير طيبة،وان هذه الخطة
قد وضعت في وقت سابق ، وتهدف إلى فرض السيطرة على الأرض تمهيدا لإعادة تعريب المدينة
وإعادة الذين أسكنهم النظام السابق فيها ومنحهم الامتيازات وخولهم سلطة الاستيلاء على
ممتلكات المواطنين وسلبها بالاستقواء بالشرطة والأمن وحزب البعث المنحل.. وإلا كيف
يسمح نائب مدير شرطة ديالى لنفسه أن يقول بالفم الملآن بان للجيش الحق في أن يدخل إلى
أي مكان في العراق من دون استئذان من أحد، وكأنه هو القائد العم للقوات المسلحة وليس
السيد نوري المالكي!!
وأصاب السيد عبد المهدي كبد الحقيقة عندما دعا إلى"حصر
دور القوات المسلحة العراقية والقوات الأمنية في المهام الملقاة على عاتقها في المكان
المناسب، ووفق ضوابط معينة، كون العملية السياسية اشترطت أن تكون المؤسسة العسكرية
تحت قيادة مدنية لكي لا يعود العراق إلى أجواء الانقلابات السابقة".
فحذار من تغلغل وتسلل البعثيين إلى المراكز القيادية حتى وان كان هذا المركز يضم عشرة
جنود أو اثني عشر شرطيا.. لأنهم وبكل بساطة خبراء في نسج المؤامرات ورواد في قيادة
الانقلابات. وإذا لم تعد حكومة السيد المالكي النظر في تشكيلة القوات المسلحة ويفرزالعناصرالمشكوك
منها،فليس من المستبعد أبدا أن يشهد العراق انقلابا عسكريا لن يقل دموية من انقلاب
شباط عام 1963 لأن الاحتقان قد وصل درجة يصعب تخيله أو السيطرة عليه بإجراءات مؤقتة
.. يكفي الاستيلاء على المنطقة الخضراء كخطوة أولى ليتم فيما بعد تحييد الجماهير التي
لم ترمن وعود الحكومة غيرالصبرالممل .
الشعب الذي يحرم من نسائم الحرية ومن أسباب العيش ويعيش في قلق دائم ويئن تحت هاجس
الخوف من المجهول، لا يهمه أن حكمه السيد المالكي أو خلف العليان..
فقد اختلط عليه الأمر وما عاد يعرف النزيه من المفسد والقاتل من الضحية..بل ولا يرى
بصيص نور في نهاية النفق المظلم الذي أوقعوه فيه رغم انفه.
سعيد يحيى الخطاط
صوت العراق 5
أيلول 2008