هل ترى أن نظام العفالقة الأنجاس,
لم يوزع بركاته الإجرامية على كل بيت, على امتداد الوطن الذي استباحه الأوغاد من
الهمج والرعاع طوال 35 عاما؟!
بالتأكيد وقطعا, ليس فقط أبناء كوردستان
عانوا ما عانوا من الظلم والطغيان ومرير العيش في ظل حكم أنجاس العفالقة ونظامهم الفاشي ...و... في بيت كل عراقي من أهل الأكثرية: ضحية وربما
أكثر, ومن نجا من حريق الفاشية وحروبها العبثية وظلام قبورها الجماعية, لا زال
ولغاية اليوم يعيش على حافة الحياة , بانتظار من يحرره من مستديم الخوف في الأعماق, ليعود ويتعلم من جديد مثل
الأسوياء من البشر، ممارسة متعة العيش مثل أيام زمان، زمان ما قبل حكم الهمج من
أوغاد العفالقة...و....لكن؟!
ما تقدم بالتحديد هو بالذات ما يدعونا
للحديث وبشكل استثنائي عن معاناة الكورد في العراق, بحكم أنهم ما عانوا وحسب مثل
سائر أبناء وادي الرافدين من قمع وعسف العفالقة الفاشي, وإنما من تبعات الهمجي من نهج
العفالقة الشوفيني القذر، هذا النهج الذي ظل يحكم مواقف العفالقة أو في الواقع
سائر أيتام التعصب القومجي عروبجيا، وبحيث ما كان هناك ومنذ إقامة المصطنع من
الكيان العراقي ولغاية سقوط النظام العفلقي، مشكلة ذات طابع قومي، سوى مشكلة
اضطهاد الشعب الكوردي شوفينا وفاشيا...و...عمليا
لا يمكن ومن المستحيل التعامل تاريخيا مع جرائم التعريب والتطهير العرقي ولانفالات
وقصف أرض كوردستان بالسلاح الكمياوي إلا من خلال هذا الإطار من الفهم وعلى النحو
الذي أعتقده بات محفورا في ذاكرة، وضمير كل
الشرفاء من أهل العراق وغير العراق!
هذه المشكلة, مشكلة الاضطهاد القومي للكورد,جرى
وعمليا حلها وإلى حد بعيد, منذ أن تحررت معظم مناطق أرض كوردستان الجنوبية, من
قبضة النظام العفلقي قبل ما يزيد عن من عقد من الزمن , باستثناء كركوك وغيرها من المناطق
الأخرى التي تعرضت لجريمة التعريب والتطهير العرقي ....و....القائم
من الفيدرالية في كوردستان، وكشكل
لممارسة الإدارة على أساس قومي, حقيقة قائمة بالفعل على أرض الواقع ومنذ سنوات
عديدة, ويفترض بعد سقوط النظام الفاشي الاعتراف بهذا الواقع, باعتباره يجسد وعمليا
مصالح وحقوق وطموح أبناء إقليم كوردستان، وبما يضمن تنظيم العلاقة مع السلطة
الاتحادية في العراق, بشكل يتوافق وينسجم ما تم التأكيد عليه مرارا وتكرارا في
البيانات والاتفاقيات المتعلقة بحل القضية الكوردية في العراق ديمقراطيا, بين
الفاعل من أهل النفوذ في كوردستان مع جميع القوى والأطراف السياسية التي شاركت في
مجد الكفاح ضد نظام العفالقة الفاشي والشوفيني !
السؤال : لماذا إذن يجري راهنا التنصل عما كان موضع
التوافق والاتفاق قبل سقوط حكم أنجاس العفالقة؟!
دعونا نتجاوز أولا كل ما تم الاتفاق عليه
بصدد الفيدرالية في كوردستان بين القوى الكوردستانية وجميع القوى ( جميع القوى
وبدون استثناء!) التي شاركت في العمل ضد نظام العفالقة الهمج, ...و...دعونا نتجاوز ثانيا كل ما يتعلق بمشروع حق الشعوب
في تقرير المصير, ...و...دعونا ثالثا لا نتوقف
طويلا عن الهمجي من حملات الإبادة ضد الكورد ومعاناتهم المريرة من جرائم التعريب
والتطهير العرقي في كركوك وسواها من المدن الكوردستانية الأخرى، وغير ذلك مما
يمكن، ومن باب مجرد الافتراض تجاوزه بهدف السؤال وبالعراقي
الفصيح: على الصعيد الإنساني
الخاص, أقصد خارج إطار مشكلة الأمن، البطالة، قصور الخدمات .....الخ العام من
معروف المشاكل،ترى ماذا يريده بالتحديد جميع من عاشوا في موقع الضحية طوال الفاشي
من عقود حكم نظام أنجاس العفالقة؟!
بمقدوري الرد وبدون تردد أن طموحهم على
المستوى الشخصي، استعادة التوازن للمتعب من نفوسهم وبحيث يكون بمقدورهم العودة وتدريجيا، للمشي مثل الأسوياء من
البشر، أقصد المشي دون الالتفات للوراء بين خطوة وأخرى,خوفا من المجهول, الذي كان يترصد
دائما أنفاسهم وأحلامهم على مدار اليوم والساعة ....و....
طالما أن هذا الذي لا يزال في طور الحلم وبعيد المنال خارج حدود إقليم كوردستان،
بات والى حد بعيد في حكم المتحقق عمليا منذ تحرر معظم مدن كوردستان من سطوة
العفالقة قبل ما يزيد على العقد من الزمن، ترى لماذا إذن بحق السماوات والأرض, لا
يجري تعزيز ودعم ما هو موجود وقائم على أرض الواقع في إقليم كوردستان, وبحيث يكون المنطلق
للعمل نحو إشاعة كل ما هو إيجابي من هذه التجربة في سائر مدن العراق الأخرى؟!
أريد القول وبالصريح من واضح العبارة: لماذا
و لمصلحة من يجري بذل كل هذا المرفوض والمعيب من الجهد للشطب على كل ما تحقق من
المكاسب والإنجازات، وما تراكم من الدروس والمقيد من الخبرة في معالجة نواحي الخلل
والقصور في سياق تجربة إقليم كوردستان، عوضا عن العمل وبإخلاص بما يساهم في تعزيز
ودعم هذه التجربة، تجربة الحكم الفيدرالي، وبما يكفل امتدادها للتنفيذ في الباقي
من مناطق العراق الأخرى، وبما يعزز في ذات الوقت حرص أبناء إقليم كوردستان على
دوام خيارهم بالاتحاد طوعيا وديمقراطيا مع سائر أهل الجديد من العراق!
و...أقول ما تقدم بحكم المتزايد من سالب مشاعر
النقمة عند الكورد وقواهم السياسية بفعل هذه الهجمة الشرسة والواسعة النطاق ضد
الفيدرالية وبقيادة قوى الإسلام السياسي والقومجية وربع ماما أمريكا وسط عرب
العراق، خصوصا وأن الحديث وبغض النظر
عن المختلف من المنطلقات والدوافع، يجري في إطار هذه الهجمة وفق نسق ما
يعتمده عتاة أهل الشوفينية، أقصد تكرار المزعوم من الحرص على وحدة أراضي الوطن، للتغطية
على القذر من معروف مواقفهم الشوفينية المعادية للكورد!
شخصيا أعتقد أن هذا الصراع الحاد, فكريا
وسياسيا حول الموقف من الفيدرالية في إقليم كوردستان على أساس قومي وجغرافي، وعلى
النحو الذي يعكس إرادة أبناء الإقليم وقواهم السياسية، يمكن حصره في ثلاثة محاور
أساسية :
الأول : محور أنجاس العفالقة وجميع القومجية
عنصريا من العرب فضلا عن مرتزقة أنقرة في الوسط التركماني وسائر من يرفضون
وبالمطلق ليس فقط حق الشعب الكوردي بتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة,
وإنما حتى مجرد حقه باختيار شكل اتحاده الطوعي في إطار العراق الديمقراطي!
الثاني : محور القوى المشاركة في العملية السياسية
وبالتحديد قوى الإسلام السياسي الإسلام والقومجية وأتباع السيد الأمريكي وسائر من
يرفضون الفيدرالية في إقليم كوردستان على أساس قومي وجغرافي، وبالشكل الذي كان
عندهم قبل سقوط الطاغية في موضع القبول وذلك بهدف فرض تغيير القائم من الفيدرالية
لتكون على أساس المحافظات وخلافا لما يريد
أبناء إقليم كوردستان وقواهم السياسية!
الثالث: محور دعاة إحلال التمنيات بديلا عن القائم
من واقع الحال في إقليم كوردستان ومنذ ما يزيد على العقد من الزمن، ودعاة هذا
المحور لا يرفضون على مستوى القول، الفيدرالية في إقليم كوردستان على أساس قومي
وجغرافي، وإنما يطالبون التخلي عما هو قائم من منطلق العمل من اجل بناء العراق
الجديد, بعيدا عن كل أشكال التعصب القومي والديني والطائفي...الخ هذا الجميل من
التمنيات والوردي من الأحلام!
و... إذا كان دحض موقف دعاة المحور الأول، لا يتطلب
ما هو اكثر من مجرد اعتماد الرفض بسلاح نعال الكلمات, وإذا كان منطلق دعاة المحور
الثاني, لا يستحق عناء النقاش، بحكم أن المواقف في إطار هذا المحور تخضع وباستمرار للتغيير على ضوء ما
تقرره ماما أمريكا ولدوافع انتهازية تتعلق بحساباتهم لما بعد نقل السلطة للعراقيين
في غضون القادم من قليل الشهور، ....و.. لا يظل هناك سوى دعاة المحور الثالث الذين
يمارسون ضربا من الوهم جدير حقا بالشفقة, إذ من غير المعقول ولا منطقيا، مطالبة
أبناء كوردستان التراجع عما تحقق بإرادتهم على ارض الواقع، أو حتى دعوتهم إلى مجرد
إعادة النظر في تحديد شكل ارتباطهم فدراليا مع الباقي من مناطق العراق، بالاعتماد
وانطلاقا من حيث الأساس على ما يردده هذا البعض من زاهي الوعود بتحقيق الديمقراطية عراقيا بعيدا عن القومية
والطائفية والعشائرية....الخ مفردات هذه الأحلام الوردية التي كانت ولا تزال وكما
يعرف الجميع كم هي عصية عن التحقق وبعيدة المنال, في ظل كل ما جرى ويجرى في الماضي
كما الحاضر من نقيض هذه التمنيات عمليا، وهذا الذي حدث مؤخرا في مدينة كركوك مجرد
مثال صارخ، سوف لا يكون بالتأكيد الأخير، على مدى أتساع نطاق هذا التضارب ما بين
وردي الأحلام وبين ما يجري بالفعل وعمليا على أرض الواقع!*
وعلى هامش ما تقدم عن دعاة المختلف من
محاور الذين يرفضون الفيدرالية في إقليم كوردستان وعلى أساس قومي وجغرافي، هناك البعض
ممن كانوا ( كانوا) في الماضي يعيدون على مستوى القول، تكرار مزاعم إيمانهم المطلق
بحق الشعب الكوردي في تقرير المصير، بما في ذلك حق الانفصال وإقامة الدولة الوطنية
المستقلة، وتراهم اليوم لا يتهربون وحسب عن تحديد مواقفهم من الفيدرالية، وإنما
باتوا وفجأة يتحدثون راهنا عن عدم توفر الظروف الملائمة لممارسة الكورد حق تقرير
المصير ....الخ ما يكشف وعمليا حجم التناقض في مواقفهم وحد السقوط في مستنفع
الازدواجية سياسيا وأخلاقيا!**
على ضوء كل ما تقدم بمقدوري وبتكثيف شديد
للعبارة القول : الموقف من الفيدرالية في كوردستان وعلى أساس قومي وجغرافي، يفترض بالضرورة
مبدئيا وفكريا وسياسيا أن ينطلق بالأساس من الأيمان، راسخ الأيمان بحق الشعب الكوردي
بتقرير المصير, وراهنا حق الإنسان الكوردي اختيار شكل ارتباطه فيدراليا مع المناطق
الأخرى من العراق، وذلك باعتقادي كان ولا يزال وسوف يظل هو السبيل الوحيد والمتاح
أمام أبناء إقليم كوردستان للبقاء وطوعا في إطار القائم من الكيان عراقيا...و...عدم أدراك هذه الحقيقة, عدم الأيمان بهذه
الحقيقة, وبالخصوص من قبل أصحاب الحاسم من النفوذ سياسيا وسط عرب العراق، وحد
لحسهم راهنا جميع ما كان موضع التوافق والاتفاق قبل سقوط الطاغية، سوف لا يقود
وعمليا لما هو أبعد من سالب ردود الفعل على صعيد الرأي العام الكوردستاني، وفي
المقدمة من ذلك تنامي عوامل فقدان الثقة بين صفوف أبناء إقليم كوردستان وقواهم
السياسية مع أهل الباقي من مناطق العراق وقواهم السياسية، وبتقديري الخاص أن تزايد
وتصاعد مستويات الاعتقاد، بعدم وجود من يتفهم أو يحترم طموحات الكورد وسط عرب
العراق، لابد وحتما سوف يساهم في تصاعد مشاعر النقمة والتعصب القومي في أوساط
الكورد، خصوصا وأن رفض اختيار شكل اتحادهم الطوعي مع الكيان العراقي راهنا, يجري
في إطار حرب مسعورة شوفينيا وعلى نحو يتجاوز في ظل عصر الفضائيات والانترنيت،
مستويات هذه الحرب القذرة طوال عقود حكم أنجاس العفالقة!
سمير سالم داود 10 كانون الثاني 2004
* المقصود عار المشترك من المسيرة في الشهر الماضي في
مدينة كركوك والتي جمعت مرتزقة أنقرة وسط التركمان والسافل من فرسان جرائم التعريب
والتطهير العرقي وسط عرب المستوطنين والذين تظاهروا في مدينة كركوك رافعين صور
الطاغية وشعار كوردستان عدو الله لتأكيد رفضهم للفيدرالية في إقليم كوردستان!
** ترى ماذا سيكون موقف ربع ( عدم توفر
الظروف الملائمة) في حال أن أختار صناع القرار الأمريكي وفي المناسب من اللحظة
لاحقا وربما بعد عدة أعوام، أن مصالح الولايات المتحدة تقتضي عدم الاعتراض على تحويل
إقليم كوردستان لكيان مستقل عن العراق ويدخل في إطارها كركوك والموصل, وترتبط
باتحاد كونفدرالي مع الدولة التركية باعتبارها تشكل كما هو معروف مع إسرائيل
الدعامة الأساسية للحفاظ على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية, في
هذا الجزء الحيوي من العالم...و...السؤال: ترى من
بمقدورهم يوم ذاك التصدي لما يريده السيد الأمريكي؟! وقبل هذا وذاك: هل يوجد هناك من
بمقدورهم معرفة كامل التفاصيل عن المخطط الأمريكي في العراق وعموم الشرق الأوسط، أقصد
خارج إطار ما يسمى إشاعة الديمخراطية بضرب القنادر وتعميم بركات التقدم الحضاري عن
طريق تدعيم وفرض ثقافة الهمبرغر والبيبسى كولا...الخ ..الخ