عن شيعة علي والكورد
في ختام تعليقي الأخير المعنون (عن خلل العلاقة ما بين
الواقع والحلم ) تساءلت وبصريح العبارة : ماذا يمكن للمرء أن يتوقع من
الانتخابات, في ظل هذا الاختلال الخطير على صعيد موازين القوى في العراق اليوم, حيث
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ..ودول الجوار دورا بالغ الخطورة على صعيد
التدخل وممارسة التأثير في تحديد شكل ومسار مستقبل عراق ما بعد صدام, وفي ظل
انهيار التحالف بين القوى والأطراف الأساسية التي تحملت عبء النضال ضد نظام
العفالقة الهمج, وبشكل خاص واستثنائي, الانقسام الحاد بين مواقف القوى السياسية
الفاعلة في كوردستان وأوساط شيعة علي في الوسط والجنوب العراقي؟!
دعوني
أعيد ومن جديد, طرح السؤال بصيغة أعتقدها أكثر وضوحا من الناحية العملية: هل يمكن
حقا بدون وجود برنامج عمل مشترك للقوى التي تحملت عبء النضال للإطاحة بنظام
العفالقة الهمج, حتى في إطار الحد الأدنى, ضمان الاتفاق أو حتى التوافق على أعداد
بنود الدستور الدائم, وبشكل يضمن فعلا وحقا, تحشيد جميع من كانوا في موقع الضحية,
ضد عودة العفالقة الأوغاد إلى موقع القرار في الدولة والمجتمع, باعتبار أن ذلك هو
الأساس والمنطلق نحو الديمقراطية وقيام العراق الفيدرالي المتحرر من العفالقة
وقوات الاحتلال؟!
هل
يمكن من الناحية العملية,وبدون وجود مثل برنامج العمل هذا, ضمان الحصول على
الأكثرية, والتعبير بالتالي انتخابيا, عن حق أبناء كوردستان والجنوب والوسط,
والذين يشكلون عمليا ما يزيد على 75% من مجموع العراقيين, ممارسة دورهم في صياغة المستقبل العراقي, بعد أن ظلت
الأقلية تمارس هذا الحق وتفرض سطوتها بالقوة والعنف, منذ قيام دولة العراق قبل ما
يزيد على ثمانية عقود من الزمن؟!
الجواب
بتقديري عن جميع هذه التساؤلات أكثر من معروف سلفا, وبالتالي المطلوب التركيز أولا
على الأسباب والعوامل التي ساهمت في تصاعد الخلاف
والانقسام بين الأطراف الأساسية التي تحملت عبء النضال والكفاح للإطاحة بنظام
العفالقة الهمج, وبدون البحث عن هذه الأسباب والعمل قدر المستطاع على تجاوزها,
سيظل الحديث عن الاتفاق أو التوافق, بين القوى السياسية التي تمثل الأكثرية في
العراق, ضربا من التمنيات الجميلة, حتى لا أقول ضربا من الأوهام غير القابلة
للتحقق عمليا, على الأقل في المدى المنظور من الزمن!
لماذا انتهى التحالف الوثيق للغاية قبل سقوط صدام, والذي كان
يربط بين الكورد وشيعة علي, وكان من
المؤمل, أن يلعب الدور الحاسم في تقرير مسارات المستقبل الديمقراطي في عراق ما بعد
صدام؟!
تساؤل قد يبدو هو الأخر, معروف الجواب سلفا, ولكن أهمية التوقف عنده,
تكمن بتقديري, في أن هذا السؤال بالذات وبالتحديد, يقود عمليا إلى الدخول, فيما
يعتبره البعض المنطقة الحرام, منطقة البحث عن من يتحمل مسؤولية فك عرى التحالف بين
الكورد وشيعة علي, وبالتحديد المسؤولية عن تبعات ونتائج التنصل عن كل ما كان موضع
اتفاق بين الكورد وشيعة علي قبل سقوط صدام؟!
دعونا
في البداية نعيد التذكير ببعض الحقائق, التي يجري للأسف الشديد تجاوزها, من قبل
العديد من الزملاء, ممن يتحدثون عن عدم مرعاة القوى السياسية الكوردستانية, لمصاعب
وتعقيدات الوضع الراهن في العراق, سواء بما يعتبرونه تشددا غير مفهوم على موضوع
إلغاء تبعات جريمة التعريب في كركوك, أو طرح موضوعة حق تقرير المصير ....الخ ما
يستوجب بتقدير هولاء الزملاء الانتظار والتأجيل لغاية إجراء الانتخابات وعودة
الأمن والاستقرار .....الخ
من بين أبرز وأهم هذه الحقائق : أن جميع القوى السياسية الفاعلة في
كوردستان اختارت ومنذ عقود عديدة, العمل يدا بيد مع جميع من يناضلون حقا من أجل
إقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي التعددي,
والشعب الكوردي ومنذ أن تحرر من سطوة النظام الصدامي, أختار الاتحاد الطوعي
في إطار الفيدرالية مع سائر الشعوب الأخرى في العراق , وبالشكل الذي جرى إقراره في
البرلمان الكوردستاني الموحد عام 1992.
هذا الخيار, خيار الشعب الكوردي بالاتحاد الطوعي في إطار الفيدرالية,
وبالشكل الذي تم اعتماده من قبل البرلمان الكوردستاني, جرى اعتماده من جميع
الفصائل السياسية المعارضة لنظام العفالقة الهمج, سواء تلك التي شاركت أو لم تشارك
في مؤتمر لندن عام 2000 .
ومبدأ العمل من أجل إلغاء جميع النتائج الخطيرة لسياسية التطهير
العرقي والتبعيث القسري التي اعتمدها نظام العفالقة في كوردستان, وبشكل خاص في
كركوك, مبدأ جرى إقراره وقبل سقوط صدام, من جميع الفصائل السياسية التي عملت ضد
نظام العفالقة الهمج, وعلى النحو الذي جرى التأكيد عليه وبوضوح في نص قانون الدولة
المؤقت.
هل ترى طالب الشعب الكوردي وقواه السياسية , بما هو أكثر مما جرى
الاتفاق بصدده قبل سقوط صدام؟! وهل أن رفض
الفيدرالية ورفع شعارات من قبيل : كوردستان عدو الله, وترديد السخافات التي
اعتمدتها القوى المتخلفة في إيران وتحديدا (سالفة الدين يجمع والقومية تفرق) لقمع
الشعب الكوردي في إيران, كانت هي السبيل الواقعي والعملي لتعامل القوى السياسية
وسط شيعة علي مع القضية الكوردية في العراق؟!
وهل أن وضع العقبات والعراقيل, أمام المباشرة بتجاوز نتائج وتبعات
سياسة التطهير العرقي التي اعتمدها نظام العفالقة الهمج في كوردستان وبشكل خاص في
كركوك, بما في ذلك العمل والدعوة وخلافا لجميع حقائق التاريخ والجغرافيا والمنطق,
لفصل كركوك عن كوردستان, كان السبيل الواقعي والعملي لمن يريد ويسعى حقا توحيد
جهود جميع من كانوا في موقع الضحية في ظل نظام العفالقة الهمج؟!*
وقبل هذا وذاك هل أن التحالف
مع مرتزقة أنقرة في الوسط التركماني في كركوك, وحتى بعد أن كشف هولاء المرتزقة عن
علاقاتهم الوطيدة مع حثالات صدام من مثقفي الكابونات النفطية ومجرمي القاعدة في
الحويجة وتلعفر...الخ وموقفهم العاهر من موضوع الانتخابات ....الخ** كانت هي السبيل
الواقعي والعملي لدوام التحالف بين الكورد وشيعة علي؟!
ما هي الانعكاسات الخطيرة لهذا النكوص على توجهات الرأي العام
الكوردستاني, وتحديدا على الاتجاه الذي ينسجم مع الاتحاد الطوعي, والذي كان كما هو
معروف, سائدا وبقوة في أوساط الشعب الكوردي قبل سقوط صدام؟!
هذا التعليق, أو حتى العشرات من التعليقات التي يمكن, أن أكرسها للرد
وبالتفصيل على جميع هذه التساؤلات, لا تكفي بتقديري, للتأشير وبوضوح على حجم
الانعكاسات السلبية, البالغة الضرر التي نجمت عن نكوص القوى السياسية الفاعلة وسط
شيعة علي,باستثناء حزب الدعوة إلى حد ما, عن ما كان الأساس المتين للتحالف المبدئي
مع الشعب الكوردي, خلال عقود النضال المشترك ضد نظام العفالقة الهمج !
و..........النتيجة يمكن حتى للغشيم في ميدان العمل السياسي, تلمسها في هذا
الخلل الفاضح, في موازين القوى السائد اليوم على الأرض في عراق ما بعد صدام, وبحيث
عاد العفالقة الأوغاد ليس فقط إلى مواقع القرار في العديد من أجهزة الدولة وفي
المجتمع, وإنما من فرض عودتهم للساحة السياسية, على النحو الجاري ويا للعار علنا
هذه الأيام!
و.......بتقديري الخاص أن التنصل عن ما كان موضع إجماع قبل سقوط صدام
بصدد موضوع الفيدرالية في كوردستان, وإلغاء تبعات جريمة التعريب في كركوك وسواها
من المدن الكوردستانية الأخرى, لا يتعلق من حيث الجوهر والأساس بتعقيدات ومصاعب
الوضع الراهن في العراق....الخ الذرائع والمبررات التي يجري تكرارها, حتى دون
التوقف عند طيحان حظ محتواها, وإنما القضية في الأول والأخر, تتعلق بعدم القناعة
فكريا بمبدأ المشاركة بين العرب والكورد, وعلى قدم مساواة في ظل العراق الديمقراطي؟!
لان الأيمان حقا الإقرار بهذا المبدأ, مبدأ المشاركة بين العرب
والكورد, وعلى قدم مساواة في ظل العراق
الديمقراطي, يعني وبدون لف أو دوران, الأيمان بحق الشعب الكوردي, المشروع والطبيعي
في تقرير المصير؟!
و.....شكل
تقرير المصير, سواء كان في إطار الاتحاد الطوعي فيدراليا أو من خلال الاستقلال
للتوحد كونفدراليا أو حتى الانفصال في
إطار دولة مستقلة, تلك قضية يقررها الشعب الكوردي, دون وصاية أو تدخل من كائن من
كان, وعدم التأكيد على هذا الحق,حق الاختيار وبوضوح شديد, ينطوي على ازدواجية
كريهة, تتعارض مبدئيا مع حق جميع شعوب الأرض بتقرير المصير, وبالشكل الذي تنص عليه
وثائق الأمم المتحدة والعشرات من اللوائح والمواثيق الدولية.***
و....مازال هناك أمل, والمطلوب من القوى السياسية الفاعلة وسط شيعة علي, اتخاذ
الجرئ من القرار, بشكل يعبر, ليس فقط عن تمثيلهم الأكثرية من حيث العدد, وإنما عن حقهم المشروع في التعاطي سياسيا مع
مختلف القضايا, وعلى نحو يعزز من قدرة المحرومين والمستضعفين وسط شيعة, ألان وفي
المستقبل في رفض التعامل معهم, كما لو كانوا عبيدا, لكل من هب ودب في قلاع
العفالقة من وساخة الأرض, أو باعتبارهم مجرد حطب جاهز وتحت الطلب, للحرق في حروب
من لا يعرفون سوى مهنة إشعال الحرائق !
هل
يمكن تحقيق ذلك والاستفادة من اللحظة التاريخية المتاحة اليوم,لتحرير شيعة علي, من
دور الضحية ومنذ قرون من الزمن, دون الاستناد إلى برنامج عمل واضح الأهداف, وغني
بالتفاصيل عن صورة العراق الجديد, أو على الأقل, يتسم بما يكفي من الوضوح على صعيد
تبيان الموقف من موضوعات الخلاف العقدية, مع القوى والأطراف الكوردستانية التي
كانت على الدوام الحليف المبدئي مع شيعة علي على طريق العمل المشترك لتخليص العراق
من سطوة العفالقة الأوغاد ؟!
و... هل هناك من يساوره الشك, في أن التردد الذي لا يزال يسود موقف
القوى السياسية في وسط شيعة علي, على صعيد العمل على تصحيح مسار العلاقة الكفاحية
مع الشعب الكوردي وقواه السياسية, هو ما تريده بالتحديد ماما أمريكا من أجل التحكم
بتحديد مسار المستقبل العراقي, أو أن هذا الحلل وتضعضع التحالف بين الكورد وشيعة
علي, لم يؤدي عمليا ولا يزال في تعزيز ثقل
الدور الذي بات يمارسه حزب وفاق البعث
الأمريكي على أرض الواقع ومنذ سقوط صدام؟!
بالعراقي الفصيح: هل كان حقا بمقدور العفالقة الأوغاد ومهما
اعتمدوا من أشكال العنف والإرهاب بالاستناد إلى قلاعهم الحصينة في المناطق الغربية
وبعض أجزاء المناطق الوسطى من العراق, فرض عودتهم من جديد على خارطة الوضع السياسي
في عراق ما بعد صدام , لولا الخلل الذي نجم عن تضعضع التحالف بين القوى المناهضة
للعفالقة؟! وهل كان بمقدور العفالقة
الأوغاد وحلفائهم من المطايا المجاهرين بالقتل, امتلاك القدرة على الصمود
والانتقال للهجوم وتحقيق المكاسب السياسية, لو ظلت هذه القوى المجرمة, كما كان
يفترض, محصورة بين كماشة الكورد من كوردستان وشيعة علي من الجنوب والوسط,
وبالتعاون قطعا مع سائر القوى والأحزاب الداعمة لقيام العراق الديمقراطي
الفيدرالي؟!
تلك تساؤلات لا تدور من حيث الأساس عن ما مضى, وإنما تتعلق بصميم ما
يجري في الحاضر, وبدون امتلاك الشجاعة على مناقشتها بالعمق, وبمنتهى الوضوح
والصراحة, يغدو من البطر, منتهى البطر التوقف عندها في المستقبل, إلا إذا كان
البعض, تستهويه لعبة البكاء والعويل, وكالعادة.........بعد فوات الأوان!!
* طالع نص التعقيب المهم
للغاية للدكتور جبار قادر على تكرار مغالطات أسامة مهدي في موقع إيلاف بصدد موضوع كركوك
**من يتابع هذه الأيام مواقف مرتزقة
جبهة أنقرة التركمانية في مستنقع الزاملي وشارع الهرم من موضوع الانتخابات,
وبالتحديد الدعوة علنا, لممارسة الضحك على ذقون القوى السياسية في وسط شيعة علي
وحتى الحوزة العلمية( راجع نص تعليق صبري كاريوكا الأخير!) لضمان حصول التركمان
على أكبر عدد من المقاعد, لابد وأن يكتشف وبمنتهى السهولة مدى افتقار هولاء
المرتزقة والقوى الطورانية عموما, حتى للحد الأدنى من شرف المواقف المبدئية,
والإصرار بالتالي على تحريض التركمان على ارتكاب المزيد من الحماقات وبشكل, ساهم
عمليا حتى في تحجيم دور ومساهمة تلك القوى والأحزاب التي تعبر حقا عن طموح
التركمان ومصالحهم الحقيقية, في العملية السياسية في عراق ما بعد صدام, وحال بهذا
القدر أو ذاك, دون تمكين هذه القوى والأحزاب من ممارسة دور فعال, في إطار العمل
المشترك مع سائر القوى والفعاليات السياسية في كوردستان!
***
للعلم والاطلاع, التأكيد على الحق المشروع والطبيعي للشعوب في تقرير المصير,
كفيلكم رب العباد, مو قضية خاصة كما يتصور الكثيرون, بمن يعتنقون فقط الفكر
الماركسي, وفي الواقع أن التجاوز على هذا الحق, حتى من قبل من يزعمون الأيمان
بالماركسية, إنما يؤدي ومهما كان حجم القمع والاضطهاد, إلى إشاعة نزعات التعصب
القومي, و... هل ترى من الضروري الحديث عن جرائم ستالين ضد شعوب الإمبراطورية
الروسية, وكيف أن هذه الشعوب وفور انهيار الاتحاد السوفيتي, عادت للعمل على تأكيد
وجودها القومي ومن جديد , بما في ذلك في روسيا, والى حد المغالاة وبحيث تتصاعد
اليوم النزعات العنصرية المقيتة التي تهدد بإشعال فتيل الصراعات العرقية والطائفية
بين العديد من الشعوب بما في ذلك تلك التي تقطن اليوم في إطار هذه الدولة أو تلك
مما كان يعرف بالجمهوريات السوفيتية سابقا.