ماذا يريد الكوردي من العربي وماذا يريد
العربي من الكوردي؟ شركاء الوطن الواحد قسريا!
يقول المثقف العربي والكاتب الأكاديمي
الدكتور شاكر خصباك:(1)
إبتداءا أقول .. إنني لم أكن أعرف الشيئ
الكثير عن الأكراد, شأني شأن أي مواطن عراقي آخر, وهذا لاشك نقص كبير, فالأكراد
يكونون ما يقارب من ربع سكان البلاد, ويقع التقصير في ذلك على عاتق المسؤولين عن
التعليم, فقد كان ينبغي أن تقدم للتلاميذ في المدارس العربية المعلومات السكانية
عن الأكراد.. إن بعض العرب من غير المتعلمين طبعا, لايعلمون بأن الأكراد يتكلمون
لغة تختلف كليا عن اللعة العربية, وربما تصوروا أن لغتهم هي لهجة أخرى من اللهجات
التي تنتشر في العراق, مثل اللهجة البغدادية أو الموصلية أو اللهجة البصراوية
واللهجة التكريتية.. الخ وكنت أعلم بالطبع أن الأكراد قد قاسوا من المظالم
والكوارث منذ بدء الحكم الوطني في العراق, أي منذ أوائل القرن العشرين.. وكانوا
يقومون بثورات متكررة من أجل نيل حقوقهم وتحقيق ذاتيتهم, فكانت تجيش لهم الجيوش
وترسل الطائرات الى قراهم لقصفها بالقنابل, ومنذ طفولتي وأنا أسمع بما
يسمى(الحركات في الشمال) والتي يقصد بها الحركات العسكرية التي تقوم لقمع الثورات
الكردية, ولكن أي واحد منا نحن المواطنين العرب لم يحاول إستجلاء الحقائق عن
ألأكراد والتعرف عن كثب على مظالمهم ومشاكلهم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية,
وهو تقصير لاشك فيه..
أما الكاتب والمثقف والسياسي المعروف عزيز
شريف (1904 – 1988) والذي وضع كتابا بعنوان (المسألة الكردية في العراق)(2) والذي
صدر سنة 1950, فقد أكد فيه على حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره كأي شعب من شعوب
العالم, لأنه يستمد هذا الحق من مساهمته في تقدم الحضارة الإنسانية ومن كفاحه
المجيد في سبيل الحرية(3)
أما عن موقف العرب من حقوق الكورد القومية
فكتب شريف يقول: بين العرب والأكراد تقارب نفسي, تركه تاريخهما المشترك من قرون
طويلة, فالعربي الذي يعرف شيئا من التاريخ يعتبر صلاح الدين الأيوبي من أسلافه
الذين يعتز بهم, كما ينظر الكردي هذه النظرة الى السلف الصالح من رجال التاريخ
الإسلامي من العرب, والتزاوج بين الكرد والعرب أكثر من بين العرب أنفسهم (سنة
وشيعة) ولكن العرب يجهلون طبيعة المسألة الكردية جهلا مخجلا(4) وفي مكان آخر يكتب
عزيز شريف قائلا: لايجوز للعربي وليس في صالح حريته أن يكون سوط العذاب بيد
الجلادين المستعمرين يلهبون به جلود الأقوام المضطهدة ويقطعونه على ظهورها(5)
لا توجد مساحة في الكرة الأرضية التي نعيش
عليها وتطلق على نفسها أسم الوطن ومجموعها الأوطان لا تحتوي ضمن ما تحتوي من
سكانها على أطياف وشعوب وقبائل, ولكي أقرب الفكرة أكثر من العقلية الشرقية
والعربية والإسلامية, جاء في سورة الحجرات من القرآن الكريم وفي الآية رقم 12 (يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم
عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) وهنا لم تستخدم كلمة أخوة لأنها ستفرغ من
محتواها العام لتحليل مفردات العمل اليومي الإنساني المشترك, وهنا لا أعتقد أن
هناك ضير في التعايش بين شركاء الوطن الواحد طالما كان الدستور يحميهم كونهم
يملكون نفس فرص العمل ولهم نفس الحقوق ويجب عليهم أداء واجباتهم تكامليا وتكافليا
لخدمة وطنهم. وإذ ذاك على المتضرر اللجوء الى القضاء لأخذ حقه أوتعويض جزء الضرر
قانونيا, وهذه ببساطة إشكالية العيش المشترك وهي بالذات الإشكالية الكبرى في وطن
مثل العراق فيه هذا التنوع الإثني والعقائدي والعشائري والديني والمذهبي والقومي.
وحتى لايتضرر طيف من الشعب بدكتاتورية الأخ الكبير وإستغلاله وحتى لاندخل في خضم
الصراعات النفسية والدموية كما جاءت بقلم وذهنية عبقري مثل ديستوفسكي في روايته
الأخوة كارامازوف, فما الضير أن نعيش في الوطن الواحد شركاء لا أخوة؟ في كل دول
العالم توجد هذه المجاميع المختلفة الأشكال والأنواع وكلها تشكل مجموع سكان
أوطانها دون أن تتستر بشعار فضفاض متخلف لا يؤمن بالإستحقاق الديمقراطي وهو
شعارالأخوة الذي أتى من دستور البيت الكبير وكبير العائلة وأكبر الأخوة الذين يجب
أن تتوفر لهم فروض الطاعة من قبل باقي الأخوة, في سويسرا تعيش أربعة قوميات وهي
الفرنسية والألمانية والإيطالية والإنكليزية ويعيشون في سويسرا شركاء لا أخوة ومع
ذلك فإن النموذج السويسري هو النموذج المثال للتعايش السلمي والأمني في كل العالم,
وكل دولة مهما صغرت وكبرت تتمنى أن تتشبه بسويسرا, وما يقال عن سويسرا لايبتعد
كثيرا عن ما هو موجود في كندا واستراليا والولايات المتحدة الأميركية والهند
وغيرها من الدول, وفي كل تاريخ تلك الدول وصراعاتها لم نسمع عن شيئ إسمه الأخوة
بين تلك الشعوب ولكنها تتعامل مع بعض حسب إتفاقية الجنتلمان يحكمهم قانون واحد
لايفرق بين اسود وأبيض ولا أسمروأشقر ولا طويل وقصير ولا ذكر وأنثى ولا مسلم
ومسيحي ويهودي وبوذي وحتى عبدة نار أو موالين للشيطان, فالدين لله والوطن للجميع
قولا وفعلا.
لنكن واقعيين ولنكن منصفين ولنكن أصحاب
أذهان مفتوحة ونطرح الأمور كما هي دون رتوش ودون تزويق أو تبريج سواء كان مقصودا
أو غير مقصود, ماذا إستفاد العراق بكل أطيافه من مصطلح الأخوة؟ غير التجاوزات على
الحقوق المدنية للمواطنين فكون الكوردي هو أخو العربي يعني أن يتحمل الكوردي كل
تجاوزات العربي كونه الأخ ألكبير وعلى ألأخ الصغير أوالأصغر الطاعة والإحترام
وتنفيذ كل الفروض ضمن إستحقاقات مصطلح الأخوة عائليا, وعليه أن يسكت إذا تكلم أخوه
الكبير وعليه أن لايأكل إلا بعد أخذ الإذن والسماح منه وحتى الزواج وماشاكل ذلك
لايتم إلا بعد أخذ المباركة من ذلك الأخ, وهذا لعمري تجني ما بعده تجني على كل ما
يتمتع به الفرد من خصوصيات مهما كانت إنتمائاته وميوله وعقائده ودينه وحتى فلسفته
وفكره.
الأخوة كمصطلح وكفعل هو إنساني مساحته
لاتتجاوز حدود البيت ككيان مستقل ليس له إلا الجوار وهو وارد وضروري لتماسك اللحمة
في العائلة الواحدة حصرا, ولكنه كفعل حتمي عندما يخرج الى ما وراء أسوار البيوت
يصبح منعطفا ومسوغا لتسهيل سرقة حقوق ومواطنية الآخر مهما صغر ومهما كبر.فأنا
ككوردي لا أريد من العربي أكثر من أن يحترمني ويعترف بحقوقي الإنسانية في الحياة
والممات وفي جدلية التعامل المشترك سواء كان هذا كما يتمنى أو لا, لأنه قدرنا وعلى
الكل تحمله ضمن حدود إنسانية متعارف عليها ومعتمدة من كل الشرائع الإنسانية
والسماوية وإذا كانت هناك وجهات نظر مختلفة فهذا هو أصل الموضوع وإختلاف وجهات
النظر لايفسد للود قضية, اليس هذا مايقوله الواقع الذي يجب أن يعاش مشتركا سواء
إقتنعنا به أم لم نقتنع. والحقوق هي ليست سيوف مسلطة على الرقاب بقدر ما هي مسألة
ديالكتيكية طالما نحن كشعوب نؤمن بالعيش في المجتمع المدني والحضاري بعيدا عن
مفردات عوالم الغابة وسيطرة القوي على الضعيف التي ولت الى غير رجعة وغير مأسوف
عليها, وحكم الأكثرية المتسلطة التي ليس من الوارد أن تكون من تخم الأنبياء بسبب
عيشها في نفس المحتوى الإجتماعي المشترك, أي أن الكل يعيشون في نفس الحاوية وعلى
الفلتر ان يعرف كيف يصفي الخبيث من الطيب قانونيا لا حسب مزاج الدكتاتور الأكبر أو
الأخ ألأكبر, وما يريده العربي من الكوردي يندرج تحت مفهومين أحدهما على إعتبار ما
سيكون لو كان العربي مقتنعا أساسا بضرورة العيش المشترك بين القوميات من مبدأ الند
للند ولافرق بين فلان على فلان وليس نقصا كون الآخر ليس عربيا وكون أن الجميع هم مواطنون
من الدرجة الأولى بعيدا عن الشوفينية والتعصب للملة وتغليب لغة التسلط على العنصر
الأضعف, وهنا أقول أن أصحاب هذا المفهوم لايبتعدون عن ما يريده الكوردي من العربي
قيد أنملة, وهم يمتلكون نفس التوجهات ونفس الأماني والأحلام, أما العرب من مناصري
المفهوم الثاني وهو مفهوم السادة والعبيد وإن العرب فوق الجميع وأن لغة القرآن هي
العربية وإن لغة أهل الجنه هي اللغة العربية وأن العراق هو دولة عربية تابعة
للمنظومة العربية, وعلى باقي الشعوب التي تسكن في هذا البلد أن ترضى بكونها شعوب
تابعة للشعب العربي, فما يريدونه من الكوردي هو الطاعة العمياء لكل ضرورات المرحلة
وكل مرحلة لافرق, وعلى كل ما عدا العرب أن ينظوو تحت لواء العروبة لخدمة القضية,
وهذا شعار أحرقه الناصر صلاح الدين الكوردي حينما حرر القدس ولم يتخل أن أصله
الكوردي, وبقي على كورديته متفاخرا بها هو وجيشه الهاكاري. وهذه المقولة أيضا سقطت
بالتقادم عندما أكدها القرآن الكريم (لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). فشعارات
القومجين العرب التي ضيعت القدس وضيعت بلاد الأندلس من قبل والتي ستضيع عليهم
الكثير الكثير في المستقبل يجب أن تذهب الى غير رجعة ويبقى الشعب العربي شعب نشاركه
الوطن ونعمل معه بكل حسن النية من أجل مصلحة هذا الوطن بعيدا عن كل الأجندات التي
تأت من خارج الحدود, لغاية في نفس يعقوب.
كريم عبد الله
محمد
1 – شاكر خصباك (ذكريات أدبية – صنعاء –
1996
2 – المسألة الكردية في العراق – ط 4
(السليمانية – 2004)
3 – المصدر نفسه – ص 65
4 – الصدر نفسه – ص 22
5 – في سبيل العروبة – القضية الكوردية بين
الأمس واليوم – الدكتور أديب معوض عام 1945 – مقدمة الدكتور عبد الفتاح علي بوتاني
– طبعة 2008