شيء من تاريخ الكورد , من هم الكورد؟
مِن خِلال التنقيبات الآثارية وفحص الهياكل
البشرية, توصل علماء الأجناس الى أن الكورد يعودون الى الأصول ألآرية وهم من
الأقوام التي إنتقلت الى المنطقة التي يعيشون فيها الآن في حُقب تاريخية متباعدة
وموغلة في القدم وإن كلمة الكورد في اللغات القديمة تعني البطل القوي وعندما هاجم
القائد اليوناني أكزينفون الشرق, ذكر عدة معارك نشبت بينه وبين أقوام سماهم
بالكاردوخيين وفي إحدى هذه المعارك تعرض الجيش اليوناني بقيادة أكزينفون الى هزيمة
نكراء إندحر بعدها هو وجيشه وترك المنطقة, ومن الذين وصفوا الكورد في آثارهم
الأدبية الفردوسي في كتاب الشاهنامة حيث وصفهم بالشجعان والأذكياء وسماهم بالكورد
.
أبناء الجن
ليس للكورد من أصدقاء سوى الجبال …..لقد
كانت الجبال للكورد, كالصحارى للعرب تماما, فهي مأواهم ومعاشُهم في السلم, وهي
ملجؤهم إذا مالت عليهم الحرب. بها يجتمعون وفي شِعابها يختفون. وكثيرا ما تحدث
الرواة في كتب التاريخ عن الغزوات التي كانت تجتاح كوردستان قديما فيروون أن
الكورد كانوا يكمنون في بطون جبالهم, يترصدون غزاتهم, حتى إذا صاروا في المرامي
فاجؤوهم كالجن من شقوق الجبال, وإنقضوا عليهم خُفافا.
لعل إختفاء الجن عن أنظار الناس, وعٌزلة
الكورد الطويلة في جبالهم, وإختفائهم في بطونها عن أنظار مُهاجميهم, لعل هذا
القاسم المشترك بين الجن والكورد هو الذي شّد الكورد الى الجن. شدهم الى حد
الإلتصاق بل إلى حد الإنتساب.
ولعل هذا القاسم المشترك, إضافة الى بعض
الصفات السلوكية والخٌلقية مُجتمعة, هي التي دفعت الرواة آنذاك أن يتوهموا في
الكورد ما توهموا, وأن ينسجوا حول أصلهم الخرافات وألأساطير, فيعتقدون أنهم من
الجن أو فيهم بعض ما في الجن وإلا, فمن أين للكورد أن يكونوا (أبناء الجن)؟ ومن
أين إنتقلت اليهم موروثات الحسناوات الأوربيات اللاتي إختارهن جان سُليمان, كما
تُعقِب إحدى الباحثات عن الأسطورة, عاقدة وجوه الشَبه بين ملامح النساء الكورديات
والأوربيات؟ (1)
لمحة تاريخية
أصل الكورد
ينتمي الكورد إلى أعرق أُمم الشرق الأوسط
الذي يعتبر مَهداً للحضارة القديمة(2)، ولا تزال دراسة التاريخ الكوردي غير وافية,
الأمر الذي أوجَد مُختلف الآراء حول أصل الكورد وتطورهم التاريخي وثمة أساطير
عديدة تتحدث عن أصل الكورد, صاغ الفردوسي واحدة منها في قصيدة قبل زُهاء الف سنة
تجدها في الشاهنامة الشهيرة, وهي تقول :
كان في قديم الزمان مَلك أسمه
(أزدهاك)(الضّحاك) وكان هذا الملك قاسيا على رعيته وكانت قسوته تجد لها تعبيرا
دائميا في حيّتين (ثعبانين) مُنبثقتين من كتفيه وملتفّتين حولهما, وكانت كل حية
منهما تعيش وتتقوت على مُخ شاب من الشباب كل يوم, وقد عانى الناس الأمرَين تحت هذا
العِبء, ولم يبقَ في البلاد بيت أو كوخ لم يُعلن حداده على ضحية له من ضحايا ذلك
الملك المقيت, وقد إحتار العديد من الناس في كيفية التخلص من هذا الظلم, فكان أن
عثر الصديقان الفطِنان (أرمايل وكرمايل) على حيلة من شأنِها التخفيف من آلآم
الشعب, فقد تواطئا مع طاهي الملك, فكان يكتفي بمخ شاب واحد بدل إثنين, فيخلطه مع
مخ خروف ثم يقدمه الى الحيتين الشرهتين, وكان الشاب الذي تنقذه الخُدعة من بين
الإثنين يُرسل الى أقاصي الجبال والسهول حتى لايراه أحد بعد ذلك, وهكذا كان ثلاثون
من الشبان يرحلون الى الجبال كل شهر, وعندما بلغ عددهم المائتين بعث لهم الطاهي
بعدد من الماعز والغنم الى الجبال. وما الأكراد الا أحفاد أولئك الشبان الذين أُنقِذوا
من حَيتّي الملك أزدهاك أو الضّحاك حيث قادهم بعد ذلك الحداد كاوة حينما جاء الدور
على ولده الوحيد لكي يموت قربانا للثعابين, فقام بضرب رأس الملك بفأس حديدية وقتله
وبدأت ثورة الشعب الكوردي على ذلك الطاغية (3) ويَعمد بعضُ" المؤرخين"
إلى تفسير الحقائق التاريخية تفسيراً مغلوطاً، للتوصل إلى أحكام لا أساس لها في
محاولة للبرهنة على أن الكورد من أصل سامي أو تركي. ويتخذ آخرون من القرابة بين
اللغتين الفارسية والكوردية حجة لإعتبار الكورد ايرانيين أي فُرسا. فهم لا يُقِرون
بوجود مستقل للأمة الكوردية، ويُشوهون التطور التاريخي.وقد ثَبُت الآن بصورة علمية
أن الكورد من سلالة قبائل زاغروس مثل الغوتي واللولوبي وغيرهما من القبائل التي
إستوطنت منطقة زاغروس في قديم الزمان، وكذلك القبائل (الهندو، أوربية) التي حلت في
المنطقة في الألف الثاني قبل الميلاد. وأثبتت الوثائق التاريخية للحُقبة الأكادية
أن قبيلتي لولوبي وغوتي قد أقامتا الصِلات، قبل سنة 2000 ق م، مع الحُكام
الآكاديين بل أن رِجالاً من هاتين القبيلتين نفسَيهِما قد تولوا الحكم في دولة
آكاد بعض الأحيان. وثمة خِلاف كذلك حول أصل كلمة" كورد". فالبعض يربطها
بكلمة (كاردوخى) القديمة التي أوردها المؤرخ الغازي أكزينفون في حين يُرجعها آخرون
إلى الكورتيين الذين عاشوا غرب بحيرة وان. وقد كتب أكزينفون عام 400 ق م، في
مؤلَفه الشهير" أناباس"حول شجاعة الكاردوخيين ويصف بالتفصيل الحرب التي
خاضها معهم وهو على رأس عشرة الاف جندي يوناني كان يقودهم في طريق العودة من بلاد
فارس إلى اليونان.(4)
الكورد في قديم الزمان
يسود الإعتقاد أن الكورد هم أحفاد
الميديين، وإن تاريخهم يبدأ بغزو مدينة نينوى عام 612 ق م. على يد كياكسار ملك
الميديين. وأثناء فترة الإمبراطورية الميدية في القرن السابع قبل الميلاد, تلك
الإمبراطورية التي شملت رقعة واسعة, تعاظم شأن النُبلاء الميديين ونفوذهم، وأثرَوا
في الوقت نفسه ثراءً لا مثيل له من قبل. وكان نابونيد حاكم بلبون يدعو ممثلي
النبلاء الميديين"ملوكاً". وكلما تنامت ثروة النبلاء إزداد فقر أفراد
القبائل الإعتياديين وتزايد عدد الرقيق مما أدى إلى تحويل الإتحاد القَبلي الميدي
إلى دولة رِق. ورغم خضوع الإمبراطورية الميدية لحكم الفُرس سنة 550 ق م. فإن
الكورد لم يتخلوا أبداً عن استقلالهم في جبالهم المنيعة.
ويقول أكزينفون كما جاء في كتاب
أناباس" إن الكاردوخويين الذين يعيشون في الجبال أُناس شُجعان لن يرضخوا لا
لسلطة الملك سركيس ولا لحكم الأرمن". ويُعتقد أن الكورد عُرفوا بإسمهم هذا في
العهد الساساني, في القرن السابع, وكانوا يومذاك يُقيمون في المنطقة التي ندعوها
الآن كوردستان.
نقلب وريقات التاريخ لأن التاريخ وثيقة
الماضي لإثبات واقع الحاضرولأن الإعلام الكوردي يتحمل الوزر الكبير والذنب الخطير
في عدم شرح ماهية الكورد عبر تاريخهم قديمه والحديث,وفشلهم في توصيل الفكرة
الكوردية كما هي على الأقل الى الآخرين, فأجد من الضرورة بمكان طرح بعض من بعض ما
يجب أن يطرح لفتح الأوراق واللعب على المكشوف وليتحمل كل طرف من أطراف معادلة
الصراع القديم الجديد بين المتخاصمين والمتحالفين على مر تاريخ هذه المنطقة التي
ترتدي مرة ثياب الملاك وأخرى تأخذ دور عزرائيل وتحمله على أكتافها.
على مر الصراع الصفوي العثماني والذي إمتد
لقرون وقرون وسالت على مذبح الصراع الفكري الشيعي السني ذلك دماء ملايين ملايين
البشرمنذ أن إلتزم الشيعة نهج البلاغة كفكر ديالكتيكي لتطوير وتحديث, لابل محاكاة
آيات القرآن الكريم ومحاولة فهمها الصحيح وتقريبها لذهن للعامة والخاصة, ومحاربة
الجانب الثاني السني لهذا الفكر كونه تقرب من المقدس الذي لايجب ان يدنس, والصراع
يحكي ويحكي ويحكي للتاريخ مآسي عبر وريقات دنستها دماء الأبرياء والتي سالت
ولازالت تسيل, أقول هذا لأؤكد عدم إلتقاء الفكر الصفوي والفكر العثماني إلا على
دحر محاولة الأمير خان ذو الكف الواحدة صاحب قلعة دم دم الشهيرة في بداية تباشير
القرن السابع عشر, ومحاولته تحقيق الحلم الذي حلم به فيما بعد مارتن لوثر كنغ ومات
غيلة على مذبح ذلك الحلم, أقول لم يلتق ذينك الضدين إلا على دحر حلم قلعة دم دم
الكوردية وتدميرها وحرقها, وبعد أن تم لهما ما أرادا عادا لكي يذبحا واحدهما
الآخر.
اتفاقية أماسيا :
في بداية القرن السادس عشر، وإثر الإنتصار
العثماني في معركة جالديران على الصفويين 1514 أصبحت كوردستان ساحة تصادم وحروب
بين الإمبراطورية الصفوية الشيعية والعثمانية السنية. وبعد إتفاقية
"أماسيا" التي رسمت الحدود بينهما سنة 1555 إنقسمت كوردستان وشعوبها على
حدود الإمبراطوريتين المتصارعتين. وأخذ غالبية الكورد جانب السلطان العثماني سليم
الأول مقابل الحفاظ على إدارة حكوماتهم وإماراتهم والتي كانت تبلغ ستا وأربعين
أمارة في إيالات ديار بكر ووان وشهرزور، تتبع السلطان إسمياً. الذي فوض أمر
تنظيمها الإداري إلى العلاّمة الكوردي إدريس البدليسي. وحدد فرمان سُلطاني الإتفاق
على العُرف الآتي :
1 ـ تتمتع الامارات الكوردية باستقلالها
المحلي مع خضوعها لتاج السلطنة
2 ـ يكون الحكم في الامارات الكوردية
وراثيا للأبناء الذكور أو حسب القوانين المحلية.
3ـ تساعد الامارات الكوردية السلطان العثماني في حروبه الخارجية ويساعد
السلطان الأمارات إذا تعرضت لعدوان خارجي.
4 ـ يدفع الأمراء الكورد الرسوم والصدقات
لبيت مال السلطان.
وكان الكورد القزلباش الشيعة الضحية الأكبر لمعركة جالديران.
لقد هجّر الصفويون آلاف الأسر من كوردستان الشرقية الى خراسان لمواجهة الأوزبك
التركمان وما زال أحفادهم الى اليوم يعيشون هناك, كما ان العثمانيين هجروا مئات
الآلاف منهم الى غرب الأناضول ليأمنوا احتمال تحالفهم مع العدو الشيعي. (5)
ماذا نقرأ من كل هذا؟ وهل يجب على الكورد
دفع غرامة تواجدهم في هذه الجغرافيا اللعينة ليتحكم بتاريخهم وثقافتهم وخبزهم
الأقوياء والطغاة, يقول المثل المصري الشعبي الدارج (جاور السعيد تسعد) ولكن ما هو
جوارنا ومن هم جيراننا لكي نسعد بهم, لماذا يجب على الكورد أن ينتظروا من ينتصر
لكي يذهبوا له بأكاليل الغار ويقدموا له فروض الطاعة لكي يهنئوا براحة البال وما
ذنب الكورد في كل صراعات المنطقة ولماذا يقحمون قسرا في حرب لاناقة لهم فيها
ولاجمل وصراعات لاطائل منها سواء كانت فكرية أم عقائدية أم أضغاث أحلام كراسي
تقودهم غريزيا الى آبار النفط التي كانت ولاتزال وبالا على تاريخ منطقة العراق منذ
أن شم ألإنكليزالقطرة الأولى منها أو منه,وحتى مجيئ أساطيل الأطلسي لإخراجه من
إيدي السفهاء والمتلاعبين بهذه القوة الإقتصادية الخطيرة والتي ستحدد مستقبل
العالم أجمع وليس الشرق الأوسط على إعتبار أن آخر برميل نفط في العالم سيخرج من
هذا المكان. طبعا هذا البرميل الذي يمتلك الكورد نسبة 17 % فقط
منه حسب آخر دساتير بلاد ما بين النهرين أو الموسيبوتاميا... وللحديث بقية
الحلقة الرابعة :معاهدة سيفر ومعاهدة لوزان
والخناجر في الظهر
كريم عبد الله
محمد
1- دحام عبدالفتاح في كتاب - أبناء الجن - الدكتورة ماركريت كان
2 - عبدالرحمن قاسملو – كتاب – كوردستان
والأكراد
3 - قاسملو – نفس المصدر
4 - أكزينفون – كتاب – أناباس
5 - بشار العيسى - مشكلة الكورد
وكوردســتان في ســـوريا في بعدها السياسي والجيوتاريخي