أكذوبة الأخوة العربية الكوردية - 1

أنتصر صلاح الدين الأيوبي فصار بطلا قوميا عربيا, لو أنهزم لكان جاسوسا كورديا

في عام 1977 وكنت حينها طالبا في مرحلة الدراسة الإعدادية في مدينة الموصل وكنت أستقل باص المصلحة مع أحد الأصدقاء وعندما توقف الباص احتراما لإشارة المرور عند التقاطع, كنت أراقب منظرا مقرفا ضمن حدث كان يتم على الرصيف المقابل حيث تجمع أكثر من ثلاث شبان مراهقين وهم يحاولون الاستهزاء والتحرش من أجل الضحك برجل كوردي مسن يستعين بالعكازة على مآسي الزمن, وبدا هذا الاستنتاج من ارتدائه للملابس الكوردية التقليدية (البشمة والبركيز), وعندما حاول منعهم والدفاع الذاتي عن نفسه ببقايا القوة الجسمانية التي أخذت منها السنون جلها, وكانت الكفة رغم محاولات هذا المسكين تميل إلى الكثرة التي حوله فسقط على الأرض وسقطت لفته (غطاء الرأس) وحاول أن يشتم بكلمات عربية ذات لكنة كوردية زادت من كوميدية المشهد, تعجب صديقي الذي يجلس جنبي قائلا:

 

- أنظر كريم إلى هذا الكوردي الذي يقاوم هؤلاء الشبان, كم هو سخيف.ويشتمهم.

 

وهنا نظرت إلى صاحبي وقلت له:

 

- هل أكلت في بيتي؟ هل شربت في بيتي؟ وهل نمت في غرفتي أثناء مراجعتنا لدراستنا مع بعض؟ هل شاهدت أخواني وأخواتي؟ وكنت أمام الحجية والدتي, كابنها!

 

- نعم كريم ما المشكلة؟

 

- أنت من هذا اليوم لست صاحبي ولست صديقي ولن تدخل بيتي ولن تشاهد الحجية ولن تتبارك بدعواها التي تهديك إياها دائما قبل ذهابك إلى الامتحان, أتعرف لماذا؟ لأنني كوردي أنتمي إلى هذا المسن الذي يدافع عن نفسه وأنت تستكثر عليه حتى مقاومة من يعتدي عليه.

حاول صاحبي الاعتذار وتلكأ كثيرا وقال هذه زلة لسان ولم أقصدك أنت فأنت شيء آخر, ولكنني أدركت بأن ما قاله صديقي لا يخرج من فراغ بل هو هامش كبير ومستكين في اللاشعور الجمعي والذي من الصعوبة بمكان التخلص منه إلى أبد الآبدين, ومهما فعل الكوردي للعربي فإنه يبقى كورديا لا يحق له سوى أن يكون مواطنا من الدرجة الثانية, فالعربي ممكن أن يفرح معه وأن يحزن معه وأن يتعاطف معه وأن يأكل ويشرب معه وحتى ممكن أن يتصاهر مع الكوردي, ولكنه لا يعترف بحقوق الكورد ضمن مطاطية الفعل ورد الفعل وعدم شفافية الحقوق والواجبات الملقاة على المواطن, أي مواطن لاضير ولا فرق, وأمام هجمة الشعارات القومجية ومعركة المصير العربي المشترك التي تتواجد ساحاتها هناك وبعيدا جدا جدا عن أرض كوردستان, فالحق العربي لم يتم الاستيلاء عليه من قبل الكورد, بل أن للكورد دين تاريخي كبير في عنق كل العرب والمسلمين عندما أنقذ الناصر صلاح الدين وقائده مشطوب الهاكاري الشرف العربي من دنس الأعداء وسلم القدس ومفتاحها إلى العرب مرة ثانية لكي يبيعونها مرة أخرى إلى الأعداء وهل ينسى التاريخ ذلك القائد الصليبي عندما عاد إلى القدس فاتحا والذي تبول على قبر صلاح الدين وقال له: ها نحن يا صلاح الدين قد عدنا فأين جنودك الهاكاريون لكي يتمموا ما بدأت به؟ وإذا ذكرنا لكم صلاح الدين فهل نغفل أبن خلكان وهل نغفل بن الأثير وهل نغفل أمير الشعراء أحمد شوقي وعباس محمود العقاد ومحمود تيمور والممثل المصري محمود المليجي والذي أرجو أن لا يكرهه المشاهدون العرب بعد هذه المعلومة الخطيرة عنه كونه كان كورديا متعصبا, ومن ذكرتهم هم قطرات من بحر الإنسانية لا تسعفني ذاكرتي في حصرهم هنا في هذا المقال ولكن من يريد زيادة المعلومات عليه الدخول إلى موقع غوغول لمعرفة فضل الكورد ومساهمتهم في الحياة الإنسانية العربية (ثقافيا واجتماعيا ودينيا وفقهيا وسياسيا وعسكريا). ولكن هل هذا يشفع أو يقدم أو يؤخر في مسألة مراعاة الضمير عندما يحق الحق؟ أنا شخصيا أشك في هذا كثيرا, فما فعله القومجيون العرب في غسل دماغ المجتمع العربي ضد كل ما هو ليس عربي ليس أمرا هينا ممكن أن ينتهي بالأماني فقط.

 

عندما أخرج الخليفة عمر بن الخطاب الفرس من العراق الذي كان يسمى بالعراق العجمي حسب كل الوثائق التي كانت متداولة آنذاك وكذلك كل الخرائط, وحرر طاق كسرى تطلع إلى الشمال وأرسل مبعوثيه لمعرفة من يسكن تلك الجبال ووصلته التقارير بأن سكنة الجبال هم مواطنون لا ينتمون إلى العرب بشيء وأن أشكالهم تختلف من حيث الحجم والطول والقوة وهم يميلون إلى اللون الأشقر أكثر, وهم لا يدينون بالإسلام, فأمر الخليفة الفاروق بضرورة دخول هؤلاء إلى الإسلام, وتفاوض من تفاوض معهم وكان الأمر إما الدخول إلى الدين الجديد وإما السيف, فآثر الكورد الدخول في الإسلام بدل الدخول في متاهات الحرب والدمار الذي سيحرق الأخضر بسعر اليابس وحافظوا على وطنهم ودخلوا الإسلام طائعين. ويبدو أن ما حدث هو ما جعل الكورد على مختلف العصور يتمتعون بخصوصياتهم الثقافية والتراثية والشعبية واللغوية ويحافظون عليها رغم كونهم مسلمون وظلوا يلبسون ملابسهم الزاهية والمتفردة ويتكلمون لغتهم الكوردية الأصيلة والعميقة في التاريخ ويحتفلون بعيد النوروز كل سنة كما كانت عادتهم منذ أيام زرادشت.

كان عندي صديق خفيف الظل وكان دائما يسرد لنا النكات على الكورد وفي أحد المجالس سأل صاحبي هذا: لماذا الكوردي يسمونه في العراق أخو جحشو؟ فتقدم للرد عليه أحد الكورد الظرفاء وقال له:

- يا عزيزي هذه التسمية حديثة وصحيحة مائة بالمائة وقد أطلقت على الكورد بعد أن أدخل الزعيم عبد الكريم قاسم في الدستور مادة تقول أن العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين وهم العرب والكورد وهم شركاء في الوطن وهم فوق هذا أخوة, وعليه فإن الكوردي هو أخو العربي. وعليك أن تفهم الآن من هو الجحشو الحقيقي في هذه المقولة وهذا الشعار.

وضحكنا ضحك طفلين معا وانتهى الموضوع بحسن النية كما بدأناه أول مرة.

قادة الأحزاب والتكتلات السياسية الآن, والذين يقودون الوطن سياسيا, هم نفسهم معارضة الأمس وهم نفسهم من تعاطف مع مآسي الكورد في حلبجة والأنفال وباليسان وبهدينان وكرميان وهم نفسهم من قام بعقد الندوات والحلقات السياسية والشعرية تضامنا مع حق الشعب الكوردي في المهاجر التي كانوا يستظلون بظلها وهم نفسهم من كان يؤمن بأحقية الكورد في كركوك وهم نفسهم من كان ضد سياسة التعريب المقيتة التي كان يمارسها صدام حسين على تلك المدينة وهم نفسهم من حارب تهجير السكان الكورد من مناطقهم الأصلية وهم نفسهم من قادوا مظاهرات الاحتجاج ضد كل تلك السياسات في كل عواصم الدنيا بالتكافل والتضامن. وهم نفسهم كذلك من ينكر حق الكورد الآن عندما حق الحق وعندما جلسوا مطمئنين على عروشهم, وعندما تبادلوا الأدوار مع صدام حسين ومن الممكن جدا أن يفتكوا بالكورد أكثر مما عمل كل الطغاة مجتمعين لو تسنى لهم ذلك, فشوفينيتهم مخزونة في دمهم ووجدانهم وشعاراتهم القومية المتخلفة التي عفى عليها الزمن وضيعت عليهم القدس كما ضاعت من قبلها الحمراء. وسوف تأخذهم تلك العقلية إلى الدرك الأسفل من التخلف الوجداني للتعامل مع مفردات الحياة. وعند أول تجربة ظهر الحق كما هو وهاهي الوحوش تكشر عن أنيابها ولكن بعد فوات الأوان. فما حدث في مسألة كركوك وانتخاباتها أخرجت العفاريت من قماقمها وأزالت الكثير من الأقنعة. ورغم كون الموضوع برمته هو موضوع جدلي لم يحسم قانونيا بعد, إلا أن المتسرعون العرب كالعادة في سباقاتهم لخسارة حروبهم ومعاركهم. أدلوا بدلوهم ولم يظهر القمر بعد ولم تستبين الرؤيا جليا ولهذا خسروا أصدقائهم بعدما خسروا أنفسهم أولا, وبقي موضوع حسم مسألة أو مشكلة كركوك في أروقة البرلمان والجهات الدستورية التي تحاول عمل ما هو ممكن لإزالة المتعلقات الإدارية حول هذا الموضوع, والكورد يريدون انتخابات كركوك بأسرع وقت ممكن ولا يخافون من الممارسة الديمقراطية حتى لو جاءت بمراقبة دولية. ويقبلون مقترحات ديمستورا المبعوث الأممي, ويقبلون تأجيل انتخابات المدينة إلى موعد معلن ومحدد, ويقبلون أي مقترح فيه شيء من الضمير ولا يخشون شيئا. أما الجانب الثاني وهم الذين صوتوا يوم 24 تموز على القرار المشؤوم فهم لا يريدون الانتخابات بل يريدون الآلية! وهنا يظهر طموح الصداديم الجدد في محاولة تغيير طوبوغرافية المكان, ولازمان محدد. وسيعملون بكل قوتهم وطاقاتهم لعرقلة ما يحدث من أجل حسابات الحقل والبيدر. وهنا فقط نقول كما قال الرئيس مسعود بارزاني إننا لسنا جزء من الحكومة المركزية فقط بل نحن الذين أسسنا هذه الحكومة ونحن الذين سندافع عن هذه التجربة الديمقراطية في العراق الجديد والتي ستنجح رغم أنف كل ذي فكر متخلف, وعلى بعض الكتاب والأدباء والمثقفين وأنصافهم التروي في طرح سمومهم, لكي لا يخسروا كالسياسيين قليلي التجربة والمعرفة في قصص الشعوب, حتى تنجلي الغيمة ضمن هذا الاستحقاق الديمقراطي الدستوري في العراق التعددي الفيدرالي الجديد. وللحديث تتمة

 

كربم عبد الله محمد

kerimebdula@yahoo.com